فصل: ذكر وفاة العزيز صاحب مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة اثنتيـن وتسعيـن وخمسمائـة

فيهـا سـار شهـاب الديـن الغـوري صاحب غزنة إلى بلاد الهنـد وفتـح قلعة عظيمة تسمى بهنكر بالأمان ثم سار إلى قلعة كوكير وبينهما نحو خمسة أيام فصالحه أهلها على مال حملوه إليه ثم سار في بلاد الهند فغنم وأسر وعاد إلى غزنة‏.‏

وفيها قتل صدر الدين محمد بن عبد اللطيف بن محمد الخجندي رئيس الشافعية بأصفهان وهو الذي سلم أصفهان إلى عسكر الخليفة قتله سنقر الطويل شحنة للخليفة بسبب منافرة جرت بينهما‏.‏

وفيها نقل الملك الأفضل أباه السلطان صلاح الدين من قلعة دمشق إلى التربة بالمدينة في صفر فكان مدة لبثه بالقلعة ثلاث سنين ولزم الملك الأفضل الزهد والقناعة وأموره مفوضة لوزيرة

ضياء الدين بن الأثير الجزري وقد اختلفت الأحوال به وكثر شاكوه وقل شاكروه‏.‏

 ذكر انتزاع دمشق من الملك الأفضل‏:‏

لما بلغ الملك العادل في مصر والملك العزيز اضطراب الأمور على الملك الأفضل اتفق العادل مع العزيز على أن يأخذا دمشق وأن يسلمها العزيز إلى العادل لتكون الخطبة والسكة للعزيز بسائر البلاد كما كانت لأبيه فخرجا وسارا من مصر فأرسل الأفضل إليهما ذلك الدين وهو أحد أمرائه وكان فلك الدين أخاً الملك لعادل لأمّه واجتمع فلك الدين بالملك العادل فأكرمه وأظهر الإجابـة إلـى مـا طلبـه أتـم العادل والعزيز السير حتى نزلا على دمشق وقد حصنها الملك الأفضل فكاتب بعض الأمراء من داخل البلد الملك العـادل وصـاروا معـه وأنهـم يسلمـون المدينـة إليـه فزحف الملك العادل والملك العزيز ضحى يوم الأربعاء السادس والعشرين من رجب من هذه السنة فدخل الملك العزيز من باب الفرج والملك العادل من باب توما فأجاب الملك الأفضل إلى تسليم القلعة وانتقل منها بأهلـه وأصحابـه وأخـرج وزيـره ضيـاء الديـن بـن الأثيـر مختفيـاً فـي صندوق خوفاً عليه من القتل وكان الملك ظافر خضر ابـن السلطـان صلـاح الديـن صاحـب بصرى مع أخيه الملك الأفضل ومعاضداً له فأخـذت منـه بصـرى أيضـاً فلحـق بأخيـه الملـك الظاهـر فأقـام عنـده بحلـب وأعطـى الملـك الأفضل صرخد فسار إليها بأهله واستوطنها ودخل الملك العزيز إلى دمشق يوم الأربعاء رابع شعبان ثم سلم دمشق إلى عمه الملك العادل على حكم ما كان وقع عليه الاتفاق بينهما وتسلمهـا الملـك العـادل ورحـل الملـك العزيـز مـن دمشق عشية يوم الاثنين تاسع شعبان وكانت مدة ملك الملك الأفضل لدمشق ثلاث سنين وشهراً وأبقى الملك العادل السكة والخطبـة بدمشـق للملـك العزيـز ولمـا استقـر الملـك الأفضـل بصرخد كتب إلى الخليفة الإمام الناصر يشكو من عمه العادل أبي بكر وأخيه العزيز عثمان وأول الكتاب‏:‏ مولـاي إن أبا بكر وصاحبه عثمان قد غصبا بالسيف حق عليّ فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي من الأواخر ما لاقى من الـأول فكتب الإمام الناصر جوابه‏:‏ وافا كتابك يا ابن يوسف معلناً بالصدق يخبر أن أصلك طاهر غصبوا عليـاً حقـه إذ لـم يكـن بعد النبي له بيثرب ناصر فاصبر فإن غداً عليه حسابهم وأبشر فناصرك الإمام الناصـر

 

ثم دخلت سنة ثلـاث وتسعيـن وخمسمائـة

فـي هـذه السنـة توفي ملكشاه بن تكش بنيسابور وكان أبوه خوارزم شاه تكش قد جعله فيها وجعل له الحكم على تلك البلاد وجعله ولي عهده وخلف ملك شاه ولداً اسمه هندوخان فلمـا مـات ملكشـاه جعـل تكـش فيهـا عوضـه ولـده الآخر قطب الدين محمد وهو الذي ملك بعد أبيه وغير لقبه عن قطب الدين وجعله علاء الدين وكان بين الأخوين ملكشاه وقطب الدين عداوة مستحكمة‏.‏

فـي هـذه السنـة فـي شـوال توفـي سيـف الإسلـام ظهيـر الديـن طغتكين بن أيوب صاحب اليمن ولما مات سيف الإسلام كان ولده الملك العزيز إسماعيل بالسمرين فبعث إليه جمال الدولة كافور جماعة من الجند فعرفوه بوفاة ولده ومضوا به إلى ممالك أبيه فسلموها إليه وكانت وفاة سيف الإسلام بزبيد وكان شديد السيرة مضيقاً على رعيته يشتـري أمـوال التجـار لنفسـه ويبيعهـا كيف شاء وجمع من الأموال ما لا يحصى حتى أنـه كـان يسبـك الذهـب وجعلـه كالطاحـون ويدخره

 

ثـم دخلـت سنـة أربـع وتسعيـن وخمسمائـة

فـي هـذه السنـة في المحرم توفي عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي بن أقسنقر صاحب سنجار والخابور والرقة وكان حسن السيرة متواضعاً يحب أهل العلم إلا أنه كان بخيلاً شديد البخل وملك بعده ولده قطب الدين حمد بن زنكي وتولى تدبير دولته مجاهد الدين بزنقش مملوك أبيه‏.‏

وفيهـا فـي جمـادى الأولى سار نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي صاحب الموصـل إلـى نصيبين فاستولى عليها وأخذها من ابن عمه قطب الدين محمد بن زنكي فأرسل قطب الدين محمد واستنجد بالملك العادل فسار الملك العادل إلى البلاد الجزرية ففارق نور الدين أرسلان شاه نصيبين وعاد إلى الموصل فعاد قطب الدين محمد بن زنكي وتسلم نصيبين‏.‏

وفيها سار خوارزم شـاه تكـش إلـى بخـارى وهـي للخطـا وحاصرهـا وملكهـا وكـان تكـش أعور فأخذ أهل بخارى في مدة الحصار كلباً أعور وألبسوه قباً وقالوا للخوارزميـة‏:‏ هـذا سلطانكم ورموه بالمنجنيق إليهـم فلمـا ملكهـا خـوارزم شـاه تكـش أحسـن إلـى أهـل بخـارى وفرق فيهم أموالاً ولم يؤاخذهم بما فعلوه في حقه‏.‏

وفيها وصل جمع عظيم من الفرنج إلى الساحل واستولوا على قلعة بيروت وسار الملك العادل ونزل بتل العجول وأتته النجدة من مصر ووصل إليه سنقر الكبير صاحب القـدس وميمـون القصري صاحب نابلس ثم سار الملك العادل إلى يافا وهجمها بالسيف وملكها وقتل الرجال المقاتلة وكان هذا الفتح ثالث فتح لها ونازلت الفرنج تبنين فأرسل الملك العادل إلـى الملـك العزيز صاحب مصر فسار الملك العزيز بنفسه بمن بقي عنده من عساكر مصر واجتمع بعمه الملك العادل على تبنين فرحل الفرنج على أعقابهم إلى صور خائبين ثم عاد الملك العزيز إلى مصر وترك غالب العسكر مع عمه العادل وجعل إليه أمر الحرب والصلح ومات في هذه المدة سنقر الكبير فجعل الملك العزيز أمر القدس إلى صارم الدين قطلق مملوك عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب ولما عاد الملك العزيز إلى مصر في هذه المدة مدحه القاضي ابن سنا الملك بقصيدة منها‏:‏ قميصك الموروث عن يوسف مـا جـاء إلا صادقـاً فـي الـدم أغثت تبنين وخلصتها فريسة من ماضغي ضيغم شنشنة تعرف من يوسف في النصـر لا تعـرف مـن أخـزم مقدمه صـار جمـادى بـه كمثل ذي الحجة ذا موسم ثم طاول الملك العادل الفرنج فطلبوا الهدنة واستقرت بينهم ثلاث سنين ورجع الملك العادل إلى دمشق ثم سار الملك العادل من دمشق إلى مارديـن وحصرهـا وصاحبهـا حينئـذ يولـق أرسلان بن أيلغازي بن إلبي بن تمرتاش بن أيلغازي ابن أرتق وليس ليولق أرسلان من الحكم شيء وإنما الحكم إلى مملوك والده البقش‏.‏

 

ذكر أخبار ملوك خلاط

وفيها توفي صاحب خلاط بدر الدين أقسنقر هزارديناري وقد تقدم ذكر ملكه الخلاط في سنة تسع وثمانين وخمسمائة ولما توفي هزارديناري استولى على خلاط بعده خشداشه قتلغ وكان مملوكاً أرمني الأصل من سناسنة فملك خلاط نحو سبعة أيام ثم اجتمع عليه النـاس وأنزلوه من القلعة ثم وثبوا عليه فقتلوه فلما قتل قتلغ اتفق كبراء الدولة فأحضروا محمد بن بكتمر من القلعة التي كان معتقلاً فيها واسمها أرزاس وأقاموه في مملكة خلاط ولقبوه الملك المنصور وقـام بتدبيـر أمـره شجـاع الديـن قتبـز الـدوادار وكـان قتلـغ المذكـر قفجاقـي الجنـس دوادار الشاهـر مـن سكمـان بـن إبراهيـم واستقـر ابـن بكتمـر كذلـك إلى سنة اثنتين وستمائة فقبض على أتابكه قتلغ المذكور وحبسه ثم قتله فخرج عليه مملوك شاهرمن يقال له عز الدين بلبان فاتفق العسكر مع بلبان المذكور وقبضوا على محمد بن بكتمر وحبسوه ثم خنقوه ورموه من سور القلعة إلى أسفل وقالوا‏:‏ وقع واستمر بلبان فـي مملكـة خلـاط دون سنـة وقتلـه بعـض أصحـاب طغريـل بـن قليـج أرسلـان شاه صاحب أرزن وقصد طغريل المذكور أن يتسلم خلـاط فلم يجبه أهلها إلى ذلك وعصوا عليه فعاد إلى أرزن ثم وصل الملك الأوحد أيوب ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وتسلم خلاط وملكها قريب ثمان سنين حسبما ذكر ذلك في سنة أربع وستمائة إن شاء الله تعالى‏.‏

 

ثم دخلت سنة خمس وتسعين وخمسمائة

 

ذكر وفاة العزيز صاحب مصر

فـي هـذه السنـة فـي منتصـف ليلـة السابـع والعشريـن مـن المحرم توفي الملك العزيز عماد الدين عثمان ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وكان قد طلع إلى الصيـد فركـض خلف ذئب فتقنطر وحم سابع المحرم في جهة الفيوم فعاد إلى الأهرام وقد اشتدت حماه ثم توجه إلى القاهرة فدخلها يوم عاشوراء وحدث به يرقان وقرحة في المعا واحتبـس طبعـه فمـات فـي التاريـخ المذكور‏.‏

وكانت مدة مملكته ست سنين إلا شهراً وكان عمره سبعاً وعشرين سنـة وأشهـراً وكـان فـي غايـة السماحـة والكرم والعدل والرفق بالرعية والإحسان إليهم‏.‏

ففجعت الرعية بموته فجعة عظيمة وكان الغالب على دولة الملك العزيز فخر الدين جهاركس فأقـام فـي الملـك ولـد الملـك العزيـز الملـك المنصور محمد واتفقت الأمراء على إحضار أحد من بني أيوب ليقوم بالملك وعملوا مشورة بحضور القاضي الفاضل فأشار بالملك الأفضل وهو حينئذ بصرخد فأرسلوا إليه فسار محثاً ووصل إلى مصر على أنه أتابك الملك المنصور بن الملك العزيز وكان عمر الملك لمنصور حينئذ تسع سنين وشهوراً وكـان مسيـر الملـك الأفضـل مـن صرخد لليلتين بقيتا من صفر في تسعة عشر نفراً متنكراً خوفاً من أصحاب عمـه الملـك العادل فإن غالب تلك البلاد كانت له فوصـل بلبيـس خامـس ربيـع الـأول‏.‏

ثـم سـار الملـك الأفضل إلى القاهرة فخرج الملك المنصور بن العزيز للقائه فترجل له عمه الملك الأفضل ودخل بين يديه إلى دار الوزارة وهي كانت مقر السلطنة ولما وصل الملك ة فضل إلى بلبيس التقاه العسكر فتنكر منه فخر الدين جهاركس وفارقه وتبعه عدة من العسكر وساروا إلى الشام وكاتبوا الملك العادل وهو محاصر ماردين أرسل الملك الظاهر إلى أخيه الملك الأفضل يشير عليه بقصد دمشق وأخذها من عمه الملك العادل وأن ينتهز الفرصة لاشتغال العادل بحصار ماردين فبرز الملك الأفضل من مصر وسار إلى دمشق وبلغ الملك العادل مسيره إلى دمشق فترك على حصار ماردين ولده الملك الكامل وسار العادل وسبق الأفضل ودخل دمشق قبل نزول الأفضل عليها بيومين ونزل الملك الأفضل على دمشق ثالث عشر شعبان من هذه السنة وزحف من الغد على البلد وجرى بينهم قتال وهجم بعض عسكره مدينة حتى وصل إلى باب البريد ولم يمدهم العسكر فتكاثر أصحاب الملك العادل وأخرجوهم من البلد ثم تخاذل العسكـر فتأخـر الأفضـل إلـى ذيـل عقبة الكسوة ثم وصل إلى الملك الأفضل أخوه الظاهر صاحب حلب فعاد إلى مضايقة دمشق ودام الحصار عليها وقلت الأقوات عند الملـك العـادل وعلـى أهل البلد وأشرف الأفضل والظاهر على ملك دمشق وعزم العادل على تسليم البلد لولا ما حصل بين الأخوين الأفضل والظاهر من الخلف وخرجت السنة وهم على ذلك وكان منهم ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر استيلاء الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر تقي الدين صاحب حماة على بارين‏:‏ وفي شهر رمضان من هذه السنة قصد الملك المنصور صاحب حماة بارين وبها نواب عز الديـن إبراهيـم بـن شمـس الدين محمد بن عبد الملك بن المقدم وحاصرها وكان عز الدين إبراهيم مـع الملـك العـادل محصـوراً معـه بدمشـق ونصـب الملـك المنصـور عليهـا المجانيـق وانجـرح الملـك المنصور حال الزحف ثم فتحها في التاسع والعشرين من ذي القعدة وأقام ببارين مدة حتى أصلح أمورها‏.‏

 

ذكر وفاة يعقوب ملك الغرب

في ربيع الآخر وقيل في جمادى الأولى توفي أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن صاحب المغرب والأندلس بمدينة سلا وكانت ولايته خمس عشرة سنة وكان يتظاهر بمذهب الظاهريـة وأعـرض عـن مذهب مالك وعمره ثمان وأربعون سنة وتلقب يعقوب المذكور بالمنصور ولما مات يعقوب ملك بعده ابنه محمد بن يعقوب وتلقب محمد بالناصر ومولد محمد المذكور سنة ست وسبعين وخمسمائة وعبد المؤمن وبنوه جميعهم كانوا يسمون بأمير المؤمنين وفي هذه السنة رحل عسكر الملك العادل مع ابنه الملك الكامل عن حصار ماردين‏.‏

ذكر الفتنة بفيروزكوه‏:‏ فـي هـذه السنـة كانـت فتنة عظيمة في عسكر غياث الدين ملك الغورية وهو بفيروزكوه وسببها أن الإمام فخر الدين محمد بن عمر بن حسين الرازي الإمام المشهور كان قد قدم إلى غياث الدين وبالغ في إكرامه واحترامه وبنى له مدرسة بهراة بالقرب من الجامع فعظم ذلك علـى الكرامية وهم كثيرون بهراة ومذهبهم التجسيم والتشبيه وكان الغوريـة كلهـم كراميـة فكرهـوا فخر الدين لأنه شافعـي وهـو يناقـض مذهبهـم فاتفـق أن فقهـاء الكراميـة والحنفيـة والشافعيـة حضروا بفيروزكوه عند غياث الدين للمناظرة وحضر فخر الدين الرازي والقاضي عبد المجيد بن عمر المعروف بابن القدوة وهو من الكرامية الهيصمية وله عندهم محل كبير لتزهده وعلمه فتكلم الرازي فاعترض عليه ابن القدوة وطال الكلام فقام غياث الدين فاستطال فخر الدين الرازي على ابن القدوة وشتمه وبالغ في أذاه وابن القدوة لا يزيده علـى أن يقـول‏:‏ لا يفعـل يـا مولانا إلا وأخذ الله فصعب على الملك ضياء الدين وهو ابن عم غيـاث الديـن وزوج ابنتـه وشكـى إلى غياث الدين وذم فخر الدين الرازي ونسبه إلى الزندقة ومذهب الفلاسفة فلم يصغ إليه غياث الدين فلما كان الغد وعظ الناس ابن عمر بن القدرة بالجامع وقال‏:‏ بعد حمد الله والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

(‏ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين‏)‏ أيها الناس إنا لا نقول إلا ما صح عندنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما علم أرسطو وكفريات ابن سينا وفلسفة الفارابي فلا نعلمها فلأي حال يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام يذب عن دين الله وسنة نبيه وبكى وبكى الكرامية واستغاثوا وثار الناس من كل جانب وامتلأ البلد فتنة فبلغ ذلك السلطان فأرسل جماعة سكنوا الناس ووعدهم إخراج وفي هذه السنة‏:‏ فـي ربيـع الـأرل توفـي مجاهـد الدين قيماز بقلعة الموصل وهو الحاكم في دولة زور الدين أرسلان صاحب الموصل وقيماز المذكور هو الذي كان حاكماً على مسعود والد أرسلان حتى قبض عليه مسعود ثم أخرجه بعد مدة وكان قيماز عاقلاً أديباً فاضلاً في الفقه على مذهب أبي حنيفة وبنى عدة جوامع وربط ومدارس‏.‏

وفيها فارق غياث الدين ملك الغورية مذ هب الكرامية وصار شافعي المذهب‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الملك بن زهر الأندلسي الإشبيلي وكان فاضلاً في الأدب وكان طبيباً وكان جده زهر وزيراً وفيلسوفاً وتوفي زهر المذكور في سنة خمس وعشرين وخمسمائة بقرطبة وزهر بضم الزاي المعجمة وسكون الهاء وقد قيل في ابن زهر‏:‏ قل للوباء أنت وابن زهر قـد جزتما الحد في النكايه ترفقا بالورى قليلاً فـي واحـد منكمـا كفايـه

  ثم دخلت سنة ست وتسعين وخمسمائة

والملكان الأفضل والظاهر محاصران لمدينـة دمشـق واتفـق وقوع الخلف بين الأخوين الأفضل والظاهر وسببه أنه كان للملك الظاهر مملوك يحبه اسمه أيبك ففقد ووجد عليـه الملـك الظاهـر وجـداً عظيمـاً وتوهـم أنـه دخـل دمشـق فأرسـل مـن تكشف خبره وأطلع الملك العادل وهو محصور على القضية فأرسل إلى الظاهر يقول له‏:‏ إن محمود بن الشكري أفسد مملوكك وحمله إلى الأفضل أخيك فقبض الظاهر على ابن الشكري فظهر المملوك عنده فتغير الظاهر على أخيه الأفضل وترك قتال العادل وظهر الفشل في العسكـر فتأخـر الأفضل والظاهر عن دمشق وأقاما بمرج الصفر إلى أواخر صفر‏.‏

ثم سارا إلى رأس المـاء ليقيمـا بـه إلـى أن ينسلـخ الشتـاء ثـم انثنـى عزمهما وسار الأفضل إلى مصر والظاهر إلى حلب على القريتين‏.‏

ولما تفرقا خرج الملك العادل من دمشق وسار في أثر الأفضل إلى مصر ولمـا وصـل الأفضـل إلـى مصـر تفرقـت عساكره في بلادهم لأجل الربيع فأدركه عمه العادل فخرج الأفضل بمن بقي عنده من العسكر وضرب معه مصافاً بالسائح فانكسر الأفضل وانهزم إلى القاهرة ونـازل العـادل القاهـرة ثمانيـة أيـام فأجـاب الأفضـل إلـى تسليمهـا علـى أن يعـوض عنهـا ميافارقين وحاني وسميساط فأجابه العادل إلى ذلك ولم يف له به وكان دخول العادل إلى القاهـرة فـي الحـادي والعشريـن مـن ربيـع الآخـر مـن هـذه السنـة وقـال ابـن الأثيـر‏:‏ كـان دخـول العادل إلى القاهرة يوم السبت ثامن عشر ربيع الأخر‏.‏

فيها وتوفي القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني في سابع عشر ربيع الآخر وقيل إن مولد القاضي الفاضل سنة ست وعشرين وخمسمائة فكان عمره نحو سبعين سنة‏.‏

ثـم سافـر الملك الأفضل إلى صرخد وأقام العادل بمصر على أنه أتابك الملك المنصور محمد ابن العزيز عثمان مدة يسيرة ثم أزال الملك المنصور محمد المذكور واستقل العادل في السلطنة ولما استقرت المملكة للملك العادل أرسل إليه الملك المنصور صاحب حماة يعتذر إليه مما وقع منه بسبب أخذه بعرين من ابن المقدم فقبل الملك العادل عذره وأمره برد بعرين إلى ابن المقـدم فاعتذر الملك المنصور عنها بقربها من حماة ونزل عن منبج وقلعة نجم لابن المقدم عوضاً عن بعرين فرضي ابن المقدم بذلك لأنهما خير من بعرين بكثير وتسلمهما عز الدين إبراهيم بـن محمد بن عبد الملك بن المقدم وكان له أيضاً فامية وكفر طاب وخمس وعشرون ضيعة من المعـرة وكذلـك كاتـب الملـك الظاهـر صاحـب حلـب عمـه الملـك العـادل وصالحـه وخطـب له بحلب وبلادها وضرب السكة باسمه واشترط الملـك العـادل علـى صاحـب حلـب أن يكـون خمسمائة فارس من خيار عسكر حلب في خدمة الملك العادل كلما خرج إلى البيكار والتزم صاحـب حلـب بذلك وقصر النيل في هذه السنة تقصيراً عظيماً حتى أنه لم يبلغ أربعة عشر ذراعاً‏.‏

  ذكر وفاة خوارزم شاه

في هذه السنة في العشرين من رمضان توفي خوارزم شاه تكش بن أرسلان بن أطسز بن محمـد بـن أنـوش تكيـن صاحـب خـوارزم وبعـض خراسـان والـري وغيرهـا مـن البلـاد الجبليـة بشهرستانة‏.‏

وولي الملك بعده ابنه محمد بن تكش وكان لقب محمد قطب الدين فغيره إلى علاء الدين وكان تكش عادلاً حسن السيرة يعرف الفقه على مذهب أبي حنيفة والأصول ولما بلغ غياث الدين ملك الغورية موت خوارزم شاه ترك ضرب نوبته ثلاثة أيام وجلس للعزاء مع ما كان بينهما من العداوة المستحكمة وهذا خلاف ما فعله بكتمر من الشماتة بالسلطان صلاح الدين ولما استقر محمد بن تكش في المملكة هرب ابن أخيه هندوخان بن ملكشاه بن تكش إلى غياث الدين ملك الغورية يستنصره على عمه فأكرمه غياث الدين ووعده النصر‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وتسعين وخمسمائة

لما دخلت هذه السنة كـان بالديـار المصريـة الملـك العـادل وعنده ابنه الملك الكامل محمد وهو نائبه بها وبحلب الملك الظاهر وهو مجد في تحصين حلب خوفاً من عمه الملك العادل وبدمشق الملك المعظم شرف الدين عيسى ابن الملك العادل نائب أبيه بها وبالشرق الملك إبراهيم ابن الملك العادل وبميافارقين الملك الأوحد نجـم الديـن أيوب ابن الملك العادل‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي عـز الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الملك بن المقدم وصارت البلاد بعده وهـي منبـج وقلعـة نجـم وفاميـة وكفـر طـاب لأخيـه شمـس الدين عبد الملك بن محمد بن عبد الملك بن المقدم ولما استقر شمس الدين عبد الملك بمنبج سار إليها الملك الظاهر صاحب حلب وحصرها وملك منبج وعصى عبد الملك بن المقدم بالقلعة فحصره ونزل عبد الملك بالأمان فاعتقله الملك الظاهر وملك قلعة منبج وبعد أن فرغ من منبج سار إلى قلعة نجم وبها نائب ابن المقدم فحصرها وملكها في آخر رجب من هذه السنة وأرسل الملك الظاهر إلى الملك المنصور صاحب حماة يبذل له منبج وقلعة نجم على أن يصير معه على الملك العادل فاعتذر صاحب حماة باليمين التي في عنقه للملك العادل فلما أيس الملك الظاهر منه سار إلى المعرة وأقطع بلادها واستولى على كفر طاب وكانت لابن المقدم ثم سار إلى فامية وبها قراقوش نائب ابن المقدم وأرسل الملك الظاهر وأحضر عبد الملك بن المقدم من حلب وكان معتقلاً بها وأحضر معه أصحابه الذين اعتقلهم وضربهم قدام قراقوش ليسلم فامية فامتنع قراقوش فأمر الملك الظاهر بضرب عبد الملك بن المقدم فضرب ضرباً شديداً وبقي يستغيث فأمر قراقـوش فضربـت النقـارات علـى قلعة فامية لئلا يسمع أهل البلد صراخه ولم يسلم القلعة فرحل عنها الملك الظاهر وتوجه إلى حماة وحاصرها لثلاث بقين من شعبان من هذه السنة ونزل شمالي البلد وشعث التربة التقوية وبعض البساتين وزحف من جهة الباب الغربي وقاتل قتالاً شديداً ثم زحف في آخر شعبان من الباب الغربي والباب القبلي وباب العميان وجرى فيه قتـال شديـد وخـرج الملـك الظاهـر بسهـم في ساقه واستمرت الحرب إلى أيام من رمضان فلما لم يحصل على غرض صالح الملك المنصور على مال يحمله إليه قيل أنه ثلاثون ألف في ينار صورية‏.‏

ثم رحل الملك الظاهر إلى دمشق وبها الملك المعظم ابن الملك العادل فنازلها الملك الظاهر هو وأخوه الملك الأفضل وانضم إليهما فارس الدين ميمون القصري صاحب نابلس ومن وافقه من الأمراء الصلاحية واستقـرت القاعـدة بيـن الأخويـن الأفضـل والظاهـر أنهمـا متـى ملكـا دمشـق يتسلمها الملك الأفضل ثـم يسيـران ويأخـذان مصـر مـن الملـك العـادل ويتسلمهـا الملـك الأفضـل وتسلـم دمشـق حينئذ إلى الملك الظاهر صاحب حلب بحيث تبقى مصر للملك الأفضل ويصير الشام جميعه للملك الظاهر‏.‏

وكان قد تخلف من أكابر الأمراء الصلاحية عنهما فخر الدين جهاركس وزين الديـن قراجـا فأرسـل الملـك الأفضـل وسلم صرخد إلى زين الدين قراجا ونقل الملك الأفضل والدته وأهله إلى حمص عنـد شيركـوه وبلـغ الملـك العـادل حصـار الأخويـن دمشـق فخـرج بعساكـر مصـر وأقـام بنابلس ولم يجسر علـى قتالهمـا واشتـدت مضايقـة الملكيـن الأفضـل والظاهـر لدمشـق وتعلـق النقابون بسورها فلما شاهد الملك الظاهر صاحب حلب ذلك حسـد أخـاه الملـك الأفضـل علـى دمشـق وقالـه لـه‏:‏ أريـد أن تسلـم إلي دمشق الآن‏.‏

فقال له الأفضل‏:‏ إن حريمي حريمك وهم على الأرض وليس لنا موضع نقيم فيه وهب هذه البلد لك فاجعله لي إلى حين تملك مصر وتأخذه فامتنع الظاهر من قبول ذلك وكان قتال العسكر والأمراء الصلاحية إنما كان لأجـل الأفضل فقال لهم الأفضل‏:‏ إن كان قتالكم لأجلي فاتركوا القتال وصالحوا الملك العادل وإن كان قتالكـم لأجـل أخـي الملـك الظاهـر فأنتـم وإيـاه فقالوا إنما قتالنا لأجلك وتخلوا عن القتال وأرسلوا وصالحوا الملك العادل وخرجت السنة وهم محاصرون دمشق وقد تفرقت العساكر فرحل الملك الظاهر عن دمشق في أول المحرم سنة ثمان وتسعين وسار الأفضل إلى حمص‏.‏

وفـي هـذه السنـة أعنـي سنـة سبـع وتسعيـن توفـي عمـاد الديـن الكاتـب محمـد بـن عبـد الله بن حامد الأصفهاني وكان فاضلاً في الفقه والـأدب والخلـاف والتاريـخ ولـه النظـم البديـع والنثـر الفائـق وكتب لنور الدين ولصلاح الدين وله التصانيف الحسنة منهـا‏:‏ البـرق الشامـي وخريـدة القصـر وكان مولده سنة تسع عشر وخمسمائة وكان عمره نيفاً وسبعين سنة‏.‏

ذكر غير ذلك من الحوادث‏:‏

في هذه السنة سار الملك غياث الدين ملك الغورية بعساكره وأرسل استدعى أخاه شهاب الدين من عرنة فلحقه بعساكره أيضاً وسار غياث الدين إلى خراسان واستولى على ما كان لخوارزم شـاه بخراسـان ولمـا ملـك غيـاث الديـن مـرو سلمهـا إلـى هندوخـان بـن ملكشـاه بـن خوارزمشـاه تكـش الـذي كـان هـرب مـن عمـه محمـد إلـى غيـاث الدين ثم استولى غياث الدين على سرخس وطوس ونيسابور وغيرها ولما استقرت هذه البلاد لغياث الدين عاد إلى بلاده وتوجه أخوه شهاب الدين إلى بلاد الهند فغنم وفتح نهروالة وهي من أعظم بلاد الهند‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ في رمضان ملك ركن الدين سليمان بن قليج أرسلان مدينة ملطية وكانت لأخيه معز الدين قيصر شاه بن قليج أرسلان ثم سار ركن الدين إلـى أرزن الـروم وكانـت للملك محمد بن صليق وهو من بيت قديم ملكوا أرزن الروم مدة طويلة فطلع صاحب أرزن الروم المذكور ليصالح ركن الدين فقبض عليه وأخذ البلد منه وكان هذا محمد آخرالملوك من أهل بيته‏.‏

وفيهـا توفـي سقمـان بـن محمـد بـن قرا أرسلان بن داود بن سقمان بن أرتق صاحب آمد وحصن كيفا سقط من سطح جوسق كان له بحصن كيفا فمات وكان له أخ اسمه محمود بن محمد وكان سقمان‏.‏

يبغضه فأبعده إلى حصن منصور وكان قد جعل سقمان ولي عهـده مملوكـه إياس وكان يحبه حباً شديداً وأوصى له بالملك بعده فلما مات سقمان استولى إياس على البلاد فلم ينتظم له حال وكاتبوا أخاه محموداً فحضر وملك بلاد أخيه سقمان‏.‏

وفيها كان بالجزيرة والشام والسواحل زلزلة عظيمة فهدمت مدناً كثيرة‏.‏

وفيها في رمضان توفي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي الحنبلي الواعظ المشهور وتصانيفه مشهورة وكان كثير الوقيعة في العلماء وكان مولده سنة عشر وخمسمائة‏.‏